معنــــــــــى
شــــهادة : (لا إلـــه إلا الله)

كــتــــــــــــبه:
أبو عمار علي الحذيفي.
المقدمـة:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه هي الحلقة الثالثة من (دروس في التوحيد) وهذه الحلقة نتكلم فيها عن أعظم الشهادتين وهي: (لا إله إلا الله) وستتبعها بإذن الله الشهادة الأخرى، ويتكون هذا البحث من عدة فصول:
الفصل الأول: فضل هذه الكلمة، ويتكون من عدة مباحث:
المبحث الأول: فضل هذه الكلمة.
المبحث الثاني: شرط الانتفاع بهذه الكلمة.
الفصل الثاني: معنى شهادة أن لا إله إلا الله، ويتكون من عدة مباحث:
الأول: معنى الإله في لغة العرب.
الثاني: سبب تقدير خبر (لا) النافية للجنس بـ (حق).
الثالث: ركنا هذه الشهادة.
الرابع: المفهوم الصحيح للعبادة.
الفصل الثالث: شروط لا إله إلا الله، ويتكون من عدة مباحث:
الأول: مقدمة في معنى هذه الشروط وعددها.
الثاني: بيان هذه الشروط.
الثالث: الصفات العامة في هذه الشروط.
الفصل الرابع: نواقض لا إله إلا الله، ويتكون من عدة مباحث:
الأول: معنى الناقض.
الثاني: ثمرة ذكر هذه النواقض.
الثالث: سبب حصرها بعشرة.
الرابع: أحكام المرتد إجمالاً.
الخامس: ذكر هذه النواقض.
السادس: الفرق بين المكره وغيره.
نسأل الله جل وعلا أن يثبتنا وإياكم عليها حتى نلقاه، وأن يحشرنا وإياكم مع أهلها العاملين بها، والداعين إليها، والمحبين لها، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله.
شــــهادة : (لا إلـــه إلا الله)

كــتــــــــــــبه:
أبو عمار علي الحذيفي.
المقدمـة:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه هي الحلقة الثالثة من (دروس في التوحيد) وهذه الحلقة نتكلم فيها عن أعظم الشهادتين وهي: (لا إله إلا الله) وستتبعها بإذن الله الشهادة الأخرى، ويتكون هذا البحث من عدة فصول:
الفصل الأول: فضل هذه الكلمة، ويتكون من عدة مباحث:
المبحث الأول: فضل هذه الكلمة.
المبحث الثاني: شرط الانتفاع بهذه الكلمة.
الفصل الثاني: معنى شهادة أن لا إله إلا الله، ويتكون من عدة مباحث:
الأول: معنى الإله في لغة العرب.
الثاني: سبب تقدير خبر (لا) النافية للجنس بـ (حق).
الثالث: ركنا هذه الشهادة.
الرابع: المفهوم الصحيح للعبادة.
الفصل الثالث: شروط لا إله إلا الله، ويتكون من عدة مباحث:
الأول: مقدمة في معنى هذه الشروط وعددها.
الثاني: بيان هذه الشروط.
الثالث: الصفات العامة في هذه الشروط.
الفصل الرابع: نواقض لا إله إلا الله، ويتكون من عدة مباحث:
الأول: معنى الناقض.
الثاني: ثمرة ذكر هذه النواقض.
الثالث: سبب حصرها بعشرة.
الرابع: أحكام المرتد إجمالاً.
الخامس: ذكر هذه النواقض.
السادس: الفرق بين المكره وغيره.
نسأل الله جل وعلا أن يثبتنا وإياكم عليها حتى نلقاه، وأن يحشرنا وإياكم مع أهلها العاملين بها، والداعين إليها، والمحبين لها، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله.
الفصل الأول: فضل هذه الكلمة (لا إله إلا الله):
المبحث الأول: فضل هذه الكلمة:
كلمة: (لا إله إلا الله) هي كلمة التقوى، وهي العروة الوثقى، وهي كلمة الإخلاص، وهي الكلمة الطيبة التي جاء في فضلها الشيء الكثير في كتاب الله وفي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وألف أهل العلم الكتب المطولة والمختصرة في فضلها، ونحن سنذكر هنا شيئاً مختصراً يناسب المقام، فنقول وبالله التوفيق:
1- لا إله إلا الله هي أعلى شعب الإيمان: لما رواه الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان).
قال حافظ الحكمي رحمه الله في "معارج القبول": (ويكفيك في فضل لا إله إلا الله إخبار النبي صلى الله عليه و سلم أنها أعلى جميع شعب الإيمان كما في "الصحيحين" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "الإيمان بضع و سبعون أو بضع و ستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق" الحديث، وهذا لفظ مسلم) أ.هـ
قلت: لفظة: (بضع وستون أو سبعون) ولفظة: (بضع وسبعون) كلاهما في مسلم، دون لفظة (بضع وستون) فهي في البخاري فقط.
2- أن الإتيان بها مخلصاً لله بها من أعظم أسباب الشفاعة: لمارواه البخاري في "صحيحه" عن أبي هريرة مرفوعاً: (أسعد الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلا الله خالصاً مخلصاً من قلبه).
قال ابن القيم في "مدارج السالكين": (وتأمل قول النبي لأبي هريرة وقد سأله: من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه، كيف جعل أعظم الأسباب التي تنال بها شفاعته تجريد التوحيد، عكس ما عند المشركين أن الشفاعة تنال باتخاذهم أولياءهم شفعاء وعبادتهم وموالاتهم من دون الله) أ.هـ
3- أنها أفضل الذكر:ثبت في "سنن الترمذي" و"سنن ابن ماجه" عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله) وهو في الصحيحة برقم: (1497).
4- من ختم بها حياته كان من أهل الجنة: لقوله صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) رواه أبو داوود وغيره بسند حسن عن معاذ، وحسنه الشيخ في "الإرواء" (687).
قال ابن القيم في "الفوائد": (لِشهادة أن لا اله الا الله عند الموت تأثير عظيم فى تكفير السيئات وإحباطها، لأنها شهادة من عبد موقن بها عارف بمضمونها، قد ماتت منه الشهوات، ولانت نفسه المتمردة، وانقادت بعد إبائها واستعصائها، وأقبلت بعد إعراضها، وذلت بعد عزها، وخرج منها حرصاً على الدنيا وفضولها واستخذت بين يدي ربها وفاطرها ومولاها الحق أذل ما كانت له وأرجى ما كانت لعفوه ومغفرته ورحمته) أ.هـ المراد.
قال الحافظ في "فتح الباري": (والمراد بقوله: "لا إله إلا الله" في هذا الحديث وغيره كلمتا الشهادة، فلا يرد إشكال ترك ذكر الرسالة، قال الزين بن المنير: قول لا إله إلا الله لقب جرى على النطق بالشهادتين شرعاً) أ.هـ
5- أنها سبب عظيم في مغفرة الله ذنوب العبد إذا حقق هذه الكلمة: فقد روى الترمذي وحسنه والحاكم وصححه وغيرهما عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يجاء يوم القيامة برجل من أمتي على رؤوس الخلائق، فينشر له تسعة وتسعون سجلاً كل سجل منها مد البصر، ثم يقول الله تعالى له أتنكر من هذا شيئاً؟ فيقول: لا يارب، فيقول الله عز وجل: ألك عذر أو حسنة؟ فيهاب الرجل فيقول: لا يارب، فيقول الله تعالى: بلى إن لك عندنا حسنات، وإنه لا ظلم عليك، فتخرجله بطاقة فيها: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله" فيقول يارب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات، فيقول: إنك لا تظلم قال فتوضع السجلات فى كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة).
قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (4/250): (وفي هذا المعنى ما ورد في فضل لا إله إلا الله وأنها تطفئ نار السيئات، مثل حديث البطاقة وغيره).
وقال ابن القيم رحمه الله: (فالأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها، وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب، فتكون صورة العملين واحدة وبينهما من التفاضل كما بين السماء والأرض).
قال: (وتأمل حديث البطاقة التي توضع في كفة ويقابلها تسعة وتسعون سجلاً كل سجل منها مدى البصر، فتثقل البطاقة وتطيش السجلات، فلا يعذب.
ومعلوم أن كل موحد له هذه البطاقة وكثير منهم يدخل النار بذنوبه).
6- أنها السبب في النجاة من الخلود في النار: لقوله صلى الله عليه وسلم: (يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله) رواه الشيخان عن أنس.
والخلاصة أن فضائل هذه الكلمة كثيرة لا تحصى، فهي رأس الإسلام كله.
قال ابن القيم في "الجواب الكافي": (وهي كلمة لا إله إلا الله وهي التي ورثها إمام الحنفاء لأتباعه إلى يوم القيامة، وهي الكلمة التي قامت بها الأرض والسموات، وفطر الله عليها جميع المخلوقات، وعليها أسست الملة، ونصبت القبلة، وجردت سيوف الجهاد، وهي محض حق الله على جميع العباد، وهي الكلمة العاصمة للدم والمال والذرية، في هذه الدار، والمنجية من عذاب القبر وعذاب النار، وهي النشور الذي لا تدخل الجنة إلا به، والحبل الذي لا يصل إلى الله من لم يتعلق بسببه، وهي كلمة الاسلام، ومفتاح دار السلام، وبها ينقسم الناس إلى شقي وسعيد، ومقبول وطريد، وبها انفصلت دار الكفر من دار الاسلام، وتميزت دار النعيم من دار الشقاء والهوان، وهي العمود الحامل للفرض والسنة، ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) أ.هـ
7- أنها أول شيء يسأل عنه العبد يوم القيامة كما قال تعالى: (فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون).
قال ابن القيم في "طريق الهجرتين": (والسؤال يوم القيامة عنها قال تعالى: "فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون" قال غير واحد من السلف هو عن قول لا إله إلا الله، وهذا حق، فإن السؤال كله عنها وعن أحكامها وحقوقها وواجباتها ولوازمها فلا يسأل أحد قط إلا عنها وعن واجباتها ولوازمها وحقوقها).
المبحث الثاني: شرط الانتفاع بهذه الكلمة:
1- فضل لا إله إلا الله مقيد بالعمل:
هذه الكلمة العظيمة لا ينتفع بها العبد بها إلا بقيود ثقيلة، فلابد أن يقولها قولاً مصحوباً بالعمل، وقد رويت أحاديث صحيحة فيها فضل (لا إله إلا الله) دون تقييدها بشيء، وقد ساق مسلم في "صحيحه" جملة كبيرة منها، ولكن اختلفوا في تفسيرها على أقوال:
1- فذهب جماعة من السلف رحمهم الله منهم سعيد بن المسيب والزهري وسفيان الثوري إلى أن هذا كان قبل نزول الفرائض والأمر والنهي، وبه قال الآجري في "الشريعة" حيث قال: (فإن احتج محتج بالأحاديث التي رويت: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، قيل له: هذه كانت قبل نزول الفرائض، على ما تقدم ذكرنا له، وهذا قول علماء المسلمين، ممن نعتهم الله عز وجل بالعلم، وكانوا أئمة يقتدى بهم، سوى المرجئة الذين خرجوا عن جملة ما عليه الصحابة، والتابعون لهم بإحسان، وقول الأئمة الذين لا يستوحش من ذكرهم في كل بلد، وسنذكر من ذلك ما حضرنا ذكره إن شاء الله تعالى).
2- وقال بعضهم معناها من قال الكلمة وأدى حقها وفريضتها، وهذا قول الحسن البصري.
3- قيل: إن ذلك لمن قالها عند الندم والتوبة، ومات على ذلك وهذا قول البخاري.
وظاهر المذهب الأول أن هذه الأحاديث منسوخة، وهذا بعيد جداً فإن كثيراً منها كانت بالمدينة بعد نزول الفرائض والحدود وفي بعضها أنه كان في غزوة تبوك وهي في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضاً هذه الأحاديث ليست من أحاديث الأحكام التي تدخلها النسخ وإنما هي من أحاديث الأخبار التي لا يدخلها النسخ، وقد استبعد النسخ جماعة منهم القاضي عياض والنووي في "شرح مسلم"، والحافظ ابن رجب في "كلمة الإخلاص" وبعض المعاصرين.
ومنهم من يقول: هي محكمة ولكن ضم إليها شرائط، وهذا أجود الأقوال وهو الذي مال إليه ابن رجب الحنبلي، وهو لا ينافي ما ذهب إليه الآجري في "الشريعة".
وبالجملة فلم يذهب أحد إلى أن كلمة التوحيد تنجي من النار دون أن يكون معها عمل يصدقها كما ذهب إلى ذلك المرجئة.
2- هل تنفع المحتضر إذا أتى بها عند الاحتضار:
روى الشيخان واللفظ للبخاري عن سعيد بن المسيب عن أبيه أنه أخبره أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام، وعبد الله بن أبى أمية بن المغيرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب: (يا عم، قل لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله).
فقال أبو جهل وعبد الله بن أبى أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه، ويعودان بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك). فأنزل الله تعالى فيه "ما كان للنبي" الآية).
والشاهد من الحديث أن كلمة التوحيد هل تنفع في هذا المقام وهو مقام الاحتضار؟ أم أن أبا طالب مخصوص من هذا الحكم؟
هذا موضع اختلفت فيه آراء العلماء، قال الحافظ في"فتح الباري": (قال الكرماني: المراد حضرت علامات الوفاة، وإلا فلو كان انتهى إلى المعاينة لم ينفعه الإيمان لو آمن، ويدل على الأول ما وقع من المراجعة بينه وبينهم انتهى.
ويحتمل أن يكون انتهى إلى تلك الحالة لكن رجا النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا أقر بالتوحيد ولو في تلك الحالة أن ذلك ينفعه بخصوصه وتسوغ شفاعته صلى الله عليه وسلم لمكانه منه، ولهذا قال: "أجادل لك بها وأشفع لك" وسيأتي بيانه) أ.هـ
قلت: رجح الكرماني أن هذا خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومال إليه الحافظ في "فتح الباري" وغيرهما، وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن المراد به قرب الاحتضار، منهم القاضي عياض ونقله عنه النووي في "شرح مسلم" مقراً له.
الفصل الثاني: معنى شهادة أن لا إله إلا الله:
هذه الشهادة لها معنى عظيم تحمله ومدلول كبير دلت عليه، ومن المهم معرفة معناها ومدلولها لأنه الغاية والمقصود، فالأحرف والكلمات لا تراد لذاتها وإنما للمعاني التي تحمله، ولأن فهم معناها تترتب عليه مسائل كثيرة منها سلامة المسلم ووقايته من أسباب الردة والكفر، ومنها فهم العبد للتوحيد المطلوب تحقيقه، فلذلك حرصنا على معرفة هذه الكلمة وبيان معناها على الوجه اللائق بها بحسب علمنا، فنقول وبالله التوفيق: (لا إله إلا الله) معناها لا معبود بحق إلا الله، أي: لا معبود يستحق العبادة غير الله سبحانه وتعالى، مهما علت منزلة هذا الغير، ولو كان ملكاً مقرباً أو نبياً مرسلاً أو رجلاً صالحاً أو غير ذلك لا يستحق شيئاً من العبادات ولو شيئاً يسيراً.
وهذه الكلمة دلت على توحيد الألوهية بدلالة المطابقة كما ترى.
ولن تتكون عند القارئ صورة واضحة عن المعنى اللغوي لهذه الكلمة وكيف أخذ العلماء هذا المعنى حتى يعرف ألفاظ هذه الكلمة لفظاً لفظاً، لذلك أفردنا كل مسألة بمبحث خاص لتتضح الصورة.
المبحث الأول: معنى الإله في لغة العرب:
الإله في لغة العرب هو: المعبود وهذا ما دلت اللغة العربية، فقد قال الفيروز آبادي في "القاموس المحيط" (ص1242): (أله إلاهة وألوهة وألوهية: عبد عبادة، ومنه لفظ الجلالة ... والتأله التنسك والتعبد، والتأليه التعبيد) أ.هـ
وعلى هذا سار أئمة اللغة في كتبهم واتفقوا على أن الإله: هو المعبود، ومنه قوله تعالى: (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) أي: في السماء معبود، وفي الأرض معبود، وإذا فهمنا معنى الآية استطعنا أن نفهم تلبيس الصوفية على عوام الناس حيث زعموا أن هذه الآية فيها دليل على أن الله في كل مكان، وجوابه واضح ولله الحمد.
ونعود إلى موضوعنا فنقول: قال الشيخ سليمان بن عبد الله في "تيسير العزيز الحميد" (ص76-77): (وقال الطيبي: الإله: فعال بمعنى مفعول كالكتاب بمعنى المكتوب من أله أي: عبد عبادة وهذا كثير جداً في كلام العلماء وهو إجماع منهم أن الإله هو المعبود).
وقد نقل عنه هذا الإجماع صاحب "فتح المجيد" وأقره.
وهذا الذي ذكره أهل العلم قد خالفه الأشاعرة ومنهم القبورية، حيث ذهبوا إلى أن الإله هو القادر على الاختراع، ففسروا كلمة التوحيد بغير ما تقتضيه لغة العرب، فأدى ذلك إلى مفاسد كثيرة منها أن من صرف شيئاً من العبادات لغير الله فإنه لم ينقض كلمة التوحيد ولم يفسدها، وأن من أقر بأن الله هو الخالق فقد دخل في الإسلام.
قال الشيخ سليمان بن عبد الله في "تيسير العزيز الحميد" (ص76-77): (وهو إجماع منهم أن الإله هو المعبود، خلافاً لما يعتقده عباد القبور وأشباههم في معنى الإله أنه الخالق أو القادر على الاختراع أو نحو هذه العبارات، ويظنون أنهم إذا قالوها بهذا المعنى فقد أتوا من التوحيد بالغاية القصوى، ولو فعلوا ما فعلوا من عبادة غير الله كدعاء الأموات، والاستغاثة بهم في الكربات، وسؤالهم قضاء الحاجات، والنذر لهم في الملمات، وسؤالهم الشفاعة عند رب الأرض والسموات إلى غير ذلك من أنواع العبادات) أ.هـ
أقول: وتفسير هذه الكلمة بمعنى القادر على الخلق أو القادر على الاختراع تفسير باطل لأن هذا خلاف ما قاله أهل اللغة، ولأن شهادة التوحيد لو كانت بمعنى الإقرار بأن الله قادر على خلق الأشياء من العدم، لما تردد المشركون من أن يقولوا هذه الكلمة لحظة واحدة، فقد أقروا بأن الله خالق السموات والأرض كما تقدم معنا في الدروس السابقة.
والإله في القرآن له معنيان أحدهما: المعبود مطلقاً ولو بباطل، ومنه قوله تعالى: (ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له فإنما حسابه عند ربه).
والثاني: المستحق للعبادة، ومنه مخاطبة الرسل لأممهم: (يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره) أي: مالكم من مستحق للعبادة غيره، وليس المقصود مالكم من معبود آخر ولو بالباطل، فإن لهم أصناماً يعبدونها من دون الله، ومنه قوله تعالى: (وإلهكم إله واحد) ونحو ذلك من الآيات.
قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (16/575): (لفظ الإله يراد به: المستحق للإلهية، ويراد به ما اتخذه الناس إلهاً و إن لم يكن إلهاً في نفس الأمر) أ.هـ
المبحث الثاني: سبب تقدير خبر (لا) النافية للجنس بـ (حق):
ينبغي أن يعرف أن (لا) النافية للجنس تحتاج إلى اسم وخبر، وقولنا: (لا إله إلا الله) ذكرنا فيه الاسم دون الخبر فاحتجنا إلى تقدير الخبر لتكتمل الجملة، وشرط هذا التقدير أن يكون مناسباً ليستقيم المعنى ويكون متفقاً مع الآيات القرآنية وغيرها، فما كل تقدير يستقيم به المعنى، فوجدنا أن التقدير الوحيد الذي يستقيم به المعنى هو أن يقال: (لا إله بحق إلا الله)، وإذا كان الإله بمعنى المعبود - كما تقدم - كان المعنى: لا معبود بحق إلا الله.
على أن بعض العلماء كفضيلة الشيخ العثيمين رحمه الله يرى أن الأنسب أن يقدر الخبر: (حق) أي: بدون حرف الجر، لأن الكلمة مع حرف الجر ستكون متعلقة بخبر محذوف مقدر والأصل عدم التقدير، فيكون المعنى عنده: (لا معبود حق إلا الله) ونفسي إلى هذا أميل، والأمر في هذا سهل.
وقد قدره بعضهم بكلمة (موجود) فيكون المعنى: (لا معبود موجود إلا الله) وهذا التقدير غير صحيح لأمرين:
الأول: أن المعبودات الموجودة كثيرة فكيف يقال: لا معبود موجود إلا الله ؟! فأقل ما في هذا التقدير أنه يصادم الواقع الموجود فهو من الكذب.
الثاني: أن هذا القول فيه مدخل للحلولية والاتحادية، لأن قولنا: (لا معبود موجود إلا الله) يوهم أن هذه المعبودات هي الله كما يرى الحلولية والاتحادية، فكأننا نقول لا معبود يعبد إلا وهو الله نفسه، أو أن الله يحل فيه، وهذا غلط لأن الأصل في العبارات أن تكون واضحة ومفهومة وسالمة من أي مدخل لأهل الضلال والانحراف.
فاجتمع في هذا التقدير مخالفة شرع الله وواقع الناس، وانظر "الدرر السنية" (2/262).
المبحث الثالث: ركنا هذه الشهادة:
لهذه الشهادة ركنان كما ترى نفي وهو قولنا: (لا إله) وإثبات وهو قولنا: (إلا الله)، وهذان الجزءان تقوم عليهما شهادة التوحيد، إذ لا يمكن الاستغناء عن أحد هذين الجزأين.
قال ابن القيم في "بدائع الفوائد": (طريقة القرآن في مثل هذا أن يقرن النفي بالإثبات، فينفي عبادة ما سوى الله ويثبت عبادته، وهذا هو حقيقة التوحيد، والنفي المحض ليس بتوحيد وكذلك الإثبات بدون النفي، فلا يكون التوحيد إلا متضمناً للنفي والإثبات وهذا حقيقة لا إله إلا الله) أ.هـ
وقد تقدم معنا أن الجزء الأول - وهو النفي - يحمل معنى الكفر بالطاغوت، والجزء الثاني - وهو الإثبات - يحمل معنى الإيمان بالله وبهما يطير طائر التوحيد، وإلا فلا.
والكفر بالطاغوت يتطلب خلع كل ما يناقض هذه الكلمة ويصادم معناها، فهناك من الناس من يحافظ على الصلاة لكنه قد يبقى متمسكاً بعقائد كفرية مثل النظرية الاشتراكية، ومثل هذا لم يكفر بالطاغوت، ومثله كمثل الذي كان يعبد الأصنام فلما دخل الاسلام أتى بالشهادتين فقيل له: وما ذا تقول في الصنم؟ فقال: "يقربني إلى الله" فمثل هذا لا ينفعه الإتيان بكلمة التوحيد، لأن كلمة التوحيد شرط القول فيها أن يرتبط بالعمل، وشرط العمل فيها أن يرتبط بالقول، فلا يستغني أحدهما عن الآخر.
الرابع: المفهوم الصحيح للعبادة:
هذا المبحث له تعلق كبير بهذا الفصل، لأن معنى كلمة التوحيد نفي الإلهية عما سوى الله تعالى، أي: نفي أن يكون غير الله مستحقاً للعبادة، وإثباتها لله تعالى وحده فقط، فما هي هذه العبادة ؟! وعلى ماذا تقوم ؟!
سنجعل الجواب في نقاط:
الأولى: أنه من الضروري ضبط العبادة وفهم معناها لما تترتب عليها من مسائل كثيرة من أهمها أنها الغاية التي لأجلها خلق الله الخلق، فكان من الضروري ضبطها لأن هذا من أعظم الأسباب الموصلة لتحقيق هذه الغاية.
فحقيقة العبادة أنها اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، وهذا تعريف شيخ الإسلام كما في "رسالة العبودية" وهو أحسن التعاريف وأجمعها.
وتطلق على الفعل كأن يصلي الرجل أو يصوم، وتطلق على المفعول وهي الصلاة نفسها أو الصوم.
ولقد نوعت الشريعة العبادة على مدار السنة، وجعلت المسلم يتقلب ما بين هذه الأنواع من نوع إلى آخر حتى لا يسأم من نوع واحد، ولتتنوع عبادته لله سبحانه وتعالى طوال السنة، فالصلاة واجبة في اليوم والليلة، والصيام في السنة مرة واحدة، والحج واجب في العمر مرة واحدة، ثم هو منتقل من الصيام إلى الصدقة إلى القيام إلى الاعتكاف إلى الحج إلى الذبح إلى غير ذلك.
وحقيقة العبادة أنها أوسع مما يراه بعض الناس، فبعض الناس يرى أن العبادة محصورة بالصلاة أو الزكاة أو نحوهما من العبادات المشهورة والمعروفة وهذا خطأ، فالعبادة أوسع من هذا بكثير إذ هي تضم في أكنافها كل قول أو عمل يحبه الله ويرضاه، فيدخل في ذلك الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وبر الوالدين والإحسان إلى الجار وذكر الله وقراءة القرآن والصدق في الحديث والوفاء بالعهد وأداء الأمانة وإطعام الطعام وإقراء السلام والتوكل والرهبة والرغبة والخشية والإنابة والخضوع والدعاء والاستعاذة والاستغاثة والذبح والطواف والنذر وغير ذلك.
الثانية: والعبادة لها شروط خاصة وعامة، أما الشروط الخاصة فهي الشروط التي تجب في كل عبادة لوحدها، فالصلاة لها شروط خاصة بها، وكذا الصيام والزكاة والحج ونحوها.
أما الشروط العامة فهي التي تجب في كل عبادة وهما شرطان اثنان لمن كان مسلماً، وثلاثة شروط لمن كان من غير المسلمين وهما:
الشرط الأول هو إخلاص العمل لله تعالى: لقوله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) وقوله: (فاعبد الله مخلصاً له الدين) وغير ذلك من الآيات.
والشرط الثاني هو متابعة النبي صلى الله عليه وسلم وموافقته في القول والعمل: لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) ولقوله: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وهو في "الصحيح" من حديث عائشة.
الثالثة: والعبادة على مراتب كثيرة ودرجات متنوعة، وهي لا تنقطع أبداً كما سيأتي في (الناقض الثامن من نواقض الإسلام).
الرابعة: وللعبادة ثمار عظيمة على الفرد والمجتمع، أما الفرد فمن ثمارها محبة الله له لأنه أدى حق الله عليه، ومنها التحلي بلباس التقوى، ومنها أن يحي الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة، ومنها أن يحصل على الأجر العظيم والخير العميم.
وأما الثمار العظيمة التي يجنيها المجتمع فهي سعادته وأمنه وأمانه وحياته الطيبة وعيشته الهانئة ونزول الخيرات وزيادة البركات.
قاعدة مهمة في باب العبادة:
الشيء إذا ثبت أن الله يحبه ويرضاه بالأمر به، أو الثناء عليه وعلى أهله، أو ترتيب الأجر لمن فعله فهو عبادة، وعليه فيحرم صرفه لغير الله، وإذا صرف لغير الله فهذا من الشرك الذي نهى الله عنه، وتوعد أهله بالخلود في النار.
قال الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في "كتاب التوحيد": (باب: من الشرك أن يستغيث بغير الله) قال صاحب "فتح المجيد": (وضابط هذا أن كل أمر شرعه الله لعباده وأمرهم به ففعله عبادة، فإذا صرف من تلك العبادة شيئاً لغير الله فهو مشرك).
ومن ذلك النذر فهو من أحب العبادات إلى الله تعالى، وقد أمر الله بالوفاء به حيث قال: (وليوفوا نذورهم) وأثنى الله على أهله حيث قال: (يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً) فهو من العبادات، وعلى هذا فصرفه لغير الله من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله تعالى، وغير النذر يدخل في ذلك وإنما سقنا النذر تمثيلاً لا تخصيصاً.
وهذه القاعدة تنفعنا في الرد على القبوريين الذين يسألون عن الدليل إذا قلنا لهم: إن صرف النذور لغير الله من الشرك الأكبر.
الفصل الثالث: شروط لا إله إلا الله:
الأول: مقدمة في معنى هذه الشروط وعددها:
والشرط – بسكون الراء - في اللغة: "إلزام الشيء والتزامه" ويجمع على شروط، وأما الشرط الذي بمعنى العلامة فهو بفتح الراء، ويجمع على أشراط.
والشرط اصطلاحاً: "ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود ولا عدم لذاته"، والمعنى من ذلك أن الشرط إذا انتفى فسد العمل المشروط له، لأنه لا يُستغنى عنه البتة.
والشروط التي يشترطها العلماء للعمل في أي باب من الأبواب في الفقه أو غيره، تجتمع فيها عدة صفات أحدها: أنها من وضع الشارع، فهي ليست من وضع أحد من الناس، والثاني: أن هذه الشروط يتطلب اجتماعها كلها، فلا يستغنى بشرط عن شرط، والثالث: أن المطلوب من المكلف استصحابها من بداية العمل إلى آخره، وكلمة التوحيد المطلوب من العبد البقاء عليها حتى الممات، وهذا يعني البقاء على هذه الشروط حتى الممات.
واختلفوا في عدد شروط لا إله إلا الله، وسبب الخلاف أن بعضهم يراها متداخلة فيما بينها، وإلا فبالجملة هم متفقون على معاني هذه الشروط.
وهناك من أنكر سبب حصرها بهذا العدد فأدخل أشياء في هذه الشروط وهي عند التحقيق ليست شروطاً.
الثاني: بيان هذه الشروط:
وهذه الشروط سبعة عرفت بالاستقراء، وقد نص سلفنا على هذه الشروط بكلام مجمل فقد روى البخاري معلقاً في (كتاب الجنائز/ باب: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله) عن وهب بن منبه أنه سأله رجل: أليس (لا إله إلا الله) مفتاح الجنة ؟ فقال: بلى ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك).
وقد جعلها بعضهم ثمانية بزيادة الكفر بالطاغوت، ولكن الصحيح أنه من الأركان لا من الشروط، لأنه يتعلق بتركيبة الكلمة نفسها، وعلى هذا فسنذكر سبعة شروط:
الشرط الأول: العلم بمعناها المنافي للجهل:
والدليل قوله تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله) وفي حديث عثمان بن عفان: (من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة) رواه مسلم.
والعلم نوعان أحدهما: علم نظري معرفي كالعلم بالموجودات، والثاني: علم عملي بمعنى أنه لا يتم هذا العلم إلا بالعمل كالعلم بسائر العبادات ومنها الإتيان بالشهادتين، وقد أشار إلى هذا التفصيل الراغب في "المفردات".
فإن قيل: إن كثيراً من عوام الناس ينطق بهذه الشهادة دون أن يحيط بمعناها على الوجه المطلوب، فلا يعرف أن الإله هو المعبود، وأن لا النافية للجنس تحتاج إلى خبر فيقدر تقديراً مناسباً إلى غير ذلك مما تقدم، فكيف تقبل منه هذه الكلمة دون توفر الشرط وهو العلم ؟!
وأقول: إذا كان عوام الناس قد فهموا المعنى الإجمالي لكلمة التوحيد أي: أنه لا يستحق العبادة إلا الله، وأتوا بهذه الكلمة دون أن يصدر منهم ما يناقضها من الأقوال والأفعال فهي منهم مقبولة.
قال المقريزي في "تجريد التوحيد": (واعلم أن أنفس الأعمال وأجلها قدراً توحيد الله تعالى، غير أن التوحيد له قشران الأول: أن تقول بلسانك لا إله إلا الله، ويسمى هذا القول توحيداً، وهو مناقض للتثليث الذي تعتقده النصارى وهذا التوحيد يصدر أيضاً من المنافق الذي يخالف سره جهره، والقشر الثاني: أن لا يكون في القلب مخالفة ولا إنكار لمفهوم هذا القول، بل يشتمل القلب على اعتقاد ذلك والتصديق به، وهذا هو توحيد عامة الناس) أ.هـ
وقال الحافظ في "فتح الباري" (1/46): (فمن أقر أجريت عليه الأحكام في الدنيا ولم يحكم عليه بكفر إلا إن اقترن به فعل يدل على كفره كالسجود لصنم) أ.هـ
الشرط الثاني: اليقين بأنه المنافي للشك والريب:
قال تعالى: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا) وذم الله المنافقين فقال: (وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون) وقال صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة: (من لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة) رواه مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم: (أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى بهما عبد ربه غير شاك فيهما إلا دخل الجنة) رواه مسلم عن أبي هريرة.
الشرط الثالث: الإخلاص المنافي للرياء:
قال تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) وقال تعالى: (ألا لله الدين الخالص) وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله حرَّم على النار من قال لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله) رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: (من قال: لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه دخل الجنة).
الشرط الرابع: الصدق المنافي للكذب:
والصدق مطابقة القول لما في الضمير كما في "المفردات" للراغب الأصفهاني.
ودليل اشتراط الصدق قوله تعالى: (إذا جاءك المنافقون قالوا: نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله، والله يعلم إن المنافقين لكاذبون) قوله صلى الله عليه وسلم: (من قال: لا إله إلا الله صدقاً من قلبه دخل الجنة) رواه أحمد عن أبي موسى الأشعري.
والفرق بين الصدق والإخلاص هو ما قاله العلامة ابن القيم في "مدارج السالكين"(1/124): (وكذلك الصدق، والفرق بينه وبين الإخلاص أن للعبد مطلوباً وطلباً فالإخلاص توحيد مطلوبه والصدق توحيد طلبه.
فالإخلاص أن لا يكون المطلوب منقسماً والصدق أن لا يكون الطلب منقسماً فالصدق بذل الجهل والإخلاص إفراد المطلوب) أ.هـ وانظر: "الدرر السنية" (2/295،131).
الشرط الخامس: المحبة لها المنافية للبغض:
قال تعالى: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله).
ويدخل في ذلك محبة العاملين بهذه الكلمة لأن ذلك من فروع هذه الكلمة.
قال ابن القيم في "إغاثة اللهفان": (فمحبته تعالى - بل كونه أحب إلى العبد من كل ما سواه على الإطلاق - من أعظم واجبات الدين وأكبر أصوله وأجل قواعده، ومن أحب معه مخلوقاً مثل ما يحبه فهو من الشرك الذي لا يغفر لصاحبه ولا يقبل معه عمل).
الشرط السادس: القبول لها بالقلب المنافي للرد:
القبول لما دلّت عليه هذه الكلمة من عبادة الله وحده ونبذ الشرك مع ما تقتضيه من الأمور، فمن قالها ولم يقبل عبادة الله وحده كان من الذين قال الله فيهم: (إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون).
وهناك من يعلم معنى الشهادة ولكنه يردها كبراً وحسداً، كحال أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين قال الله فيهم: (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) وبين في موضع آخر سبب الكتمان فقال: (حسداً من عند أنفسهم من بعدما تبين لهم الحق).
الشرط السابع: الانقياد المنافي للاستكبار:
قال تعالى:(وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له)، وقال تعالى: (ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى) ومعنى قوله: (يسلم وجهه) أي ينقاد، ومعنى قوله: (فقد استمسك بالعروة الوثقى) أي: بلا إله إلا الله.
والفرق بين القبول والانقياد هو أن القبول يكون باستسلام القلب وتصريح اللسان، والانقياد يكون باستسلام الجوارح لما تقتضيه هذه الشهادة.
الثالث: الصفات العامة في هذه الشروط:
هذه الشروط السبعة التي ذكرناها يجمعها عدة أمور، من أهمها أنها أعمال قلبية في الغالب، فالعلم واليقين والصدق والإخلاص والصدق والمحبة والانقياد والقبول كلها من أعمال القلوب إلا القليل مثل الانقياد ومثل العلم على التفسير الذي ذكرناه فإنه بمعنى العلم العملي.
ومن ذلك أنها أمور كلية تدخل تحتها جزئيات كثيرة، فبعضهم يرى أن الصلاة شرط صحة للتوحيد وآخر يرى أن التوكل كذلك إلخ ، وهذه الأمور كلها وغيرها من الأعمال داخلة في الانقياد، فلا حاجة لإفراد كل جزء بشرط مستقل.
الفصل الرابع: نواقض لا إله إلا الله:
الأول: معنى الناقض:
النواقض: جمع ناقض وهو لغة: ما يحل المربوط، واصطلاحاً: هو السبب الموجب للكفر بعد الإسلام.
وهذا يدل على إمكان وقوع الكفر بعد الإيمان وهو الصواب شرعاً وواقعاً، خلافاً لمن أنكره من القبوريين ومن جرى مجراهم، والأدلة التي تبطل هذا القول من الكتاب والسنة والإجماع أكثر من أن تحصر.
الثاني: ثمرة ذكر هذه النواقض:
ويحرص العلماء على بيان نواقض الإسلام وإيضاحها، ولهذا الأمر فوائد كثيرة أعظمها أن يخاف الإنسان على نفسه من هذه النواقض أن يقع فيها يوماً من الأيام، وأن نعلم أن وقوع الردة من المسلم شيء ممكن.
والردة: الكفر بعد الإسلام، وتترتب عليها أحكام كثيرة، وأشياء أخرى كثيرة هذه أهمها.
الثالث: سبب حصرها بعشرة:
ونواقض الإسلام كثيرة، ولكن قام بعض العلماء بحصرها بعشرة كما فعل الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب، ومن تبعه على ذلك كالشيخ عبد العزيز بن باز رحمهما الله وغيرهما.
وقد اختلفوا في سبب حصر الشيخ محمد لهذه النواقض بعشرة على أقوال كثيرة، فقيل: لأنها مجمع عليها، وهذا غير صحيح لأن هناك نواقض كثيرة مجمع عليها لم تذكر، وقيل: لأن هذه النواقض أصل النواقض وغيرها إنما ترجع إليها، وهذا غير صحيح لأن هناك من النواقض ما لا ترجع إلى هذه النواقض، وقيل: لأن هذه النواقض هي من أخطر النواقض على المسلم وأكثرها انتشاراً في عصر المؤلف وعصرنا، وهذا قاله بمعناه الشيخ عبد العزيز بن باز في نواقض الإسلام كما في "العقيدة الصحيحة وما يضادها" وهذا هو أحسن الأجوبة في نظري.
الرابع: أحكام المرتد إجمالاً:
وأرى من باب إتمام الفائدة أن نذكر هنا الأحكام المترتبة على الردة، وبيان نبذ مختصرة من أحكام المرتد في الإسلام ليعرف المسلم خطر هذه النواقض وليكون طالب العلم على بصيرة منها، فنقول وبالله التوفيق:
أولا: الـردة: هي الرجوع إلى الكفر بعد الإسلام نسأل الله الثبات على دينه، وتكون هذه الردة بارتكاب شيء من أسباب الكفر وموجباته، سواء كانت قولية كسب الله أو رسوله، أو فعليه كالسجود للصنم أو أن يدوس المصحف متعمداً، أو اعتقادية كاعتقاد أن الأديان واحدة أو أن القرآن ناقص أو بالشك كأن يشك في اليوم الآخر ونحو ذلك.
ثانياً: لا يعامل المرتد بأحكام الردة إلا إذا كانت ردته صحيحة، ونعني بها أنها توفرت فيها الشروط، وانتفت عنها الموانع.
وشروط صحة الردة هي: أولاً البلوغ فلا يحكم على الصبي بالردة، وثانياً العقل فلا يحكم على المجنون بالردة، ثالثاً الاختيار فلا يحكم على المكره بالردة، رابعاً الجهل جهلاً ناشئاً من عدم وصول العلم إليه كأن يكون في بادية بعيدة، وليس الجهل الناشئ من الإعراض فإن صاحبه لا يعذر به، والجهل عذر فلا يحكم على الجاهل بالردة.
ثالثاً: المرتد إذا صحت ردته وقامت عليه الحجة واستتيب فأبى أن يرجع نزلنا عليه أحكام الكافر وهي:
1- أنه لا يزوج بمسلمة بعد الردة، وإن كان مزوجاً بها أثناء الردة فسخ عقده منها، وقد اختلفوا فيما إذا ارتد قبل الدخول بها، فقول عامة أهل العلم أن العقد ينفسخ بمجرد الردة، واختار شيخ الإسلام أن العقد موقوف حتى تنكح زوجاً غيره، واختلفوا فيما إذا كانت الردة بعد الدخول على أقوال: فقيل ينفسخ العقد بمجرد الردة، وقيل: العقد موقوف إلى انقضاء العدة، وقيل: موقوف إلى أن تنكح زوجاً غيره وهو اختيار شيخ الإسلام كذلك، والأحوط في الحالتين اعتبار أن مجرد الردة سبب لفسخ العقد، فعلى المرتد إذا عاد إلى الإسلام وأراد زوجته أن يعيد العقد وإن لم تنقض العدة.
2- أنها لا تؤكل ذبيحته، وإن ارتد وصار نصرانياً أو يهودياً.
3- لا يدخل المسجد الحرام، والدليل قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا).
4- لا يرث من أقربائه في حال حياته بعد ردته، ولا يرث منه أقرباؤه إذا مات أو قتل على قول عامة أهل العلم، واختار شيخ الإسلام أنه يورث لأن أقارب المرتدين في عصر أبي بكر في حروب الردة كانوا يرثون المرتدين بعلم الصحابة.
5- لا يتصرف في ماله حال ردته إلا إن عاد إلى الإسلام.
6- يقتل لحديث ابن عباس في "صحيح البخاري": (من بدل دينه فاقتلوه) ويقتله ولاة الأمور ضرباً بالسيف.
7- لا يغسل المرتد ولا يكفن ولا يدفن في مقابر المسلمين.
رابعاً: اختلف العلماء في استتابة المرتد هل يستتاب أو لا يستتاب؟ على قولين، وعلى الأول هل يجب أو يستحب، والصحيح أن استتابة المرتد مستحبة، إلا ممن تكررت ردته أو عظمت فمثله لا يستتاب، لأنه لا يؤمن وليكون عبرة لغيره.
خامساً: إذا أراد المرتد الرجوع إلى الإسلام فإنه يجب عليه أن يقر بما جحده من الأمور، فإن كان كفره بإنكار شيء متواتر ومعلوم من الدين بالضرورة وجب عليه أن يقر به، وإن كان كفره من جهة أنه أتى بقول باطل رجع عنه ونزع منه، وعليه أن يأتي بالشهادتين ويغتسل.
الخامس: ذكر هذه النواقض:
وهذه النواقض عشرة، سنذكرها مع بيان مختصر لمعانيها يساعد على فهم الطالب لهذه النواقض، فنقول وبالله التوفيق:
الناقض الأول: الشرك:
والشرك لغة هو: النصيب، ومنه قوله تعالى: (وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير).
والشرك شرعاً: هو "تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله"، وهو ينقض الإسلام بإجماع أهل العلم.
الناقض الثاني: اتخاذ الوسائط فيما بين العبد وبين الله
يعبدونهم من دون الله، ويسألونهم الشفاعة:
1- سئل شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: ما تقولون في رجل يقول: لابد لنا من واسطة فيما بيننا وبين الله وآخر يقول: لا ينبغي أن تكون بيننا وبين الله واسطة فأجاب بالتفصيل حيث قال كما في "مجموع الفتاوى" (1/121-123): (إن أراد بذلك أنه لا بد من واسطة تبلغنا أمر الله فهذا حق فإن الخلق لا يعلمون ما يحبه الله ويرضاه وما أمر به وما نهى عنه وما أعده لأوليائه من كرامته وما وعد به أعداءه من عذابه، ولا يعرفون ما يستحقه الله تعالى من أسمائه الحسنى وصفاته العليا التي تعجز العقول عن معرفتها وأمثال ذلك إلا بالرسل الذين أرسلهم الله إلى عباده.
وإن أراد بالواسطة أنه لا بد من واسطة فى جلب المنافع ودفع المضار مثل أن يكون واسطة فى رزق العباد ونصرهم وهداهم يسألونه ذلك ويرجون إليه فيه فهذا من أعظم الشرك الذى كفر الله به المشركين حيث اتخذوا من دون الله أولياء وشفعاء يجتلبون بهم المنافع ويجتنبون المضار) أ.هـ بتصرف.
2- وطلب الشفاعة من الموتى هو يأتي الإنسان إلى الميت المقبور يطلب الشفاعة منه فيقول: (اشفع لي عند الله يا فلان اشفع لي عند الله) كما هو حاصل وللأسف الشديد في كثير من قرى المسلمين اليوم، فبعض القرى عندهم في كل قرية قبر ولي يرجعون إليه عند الشدائد، ويسألونه تفريج الكربات، وقضاء الحاجات.
والسبب في أن طلب الشفاعة من الموتى شرك أكبر هو أن الشفاعة حق لله عز وجل، فلا تسأل الشفاعة إلا منه سبحانه وتعالى، قال سبحانه وتعالى: (قل لله الشفاعة جميعا) والجار والمجرور إذا قدما أفادا الحصر، فكأن الله يقول لنا: قل إن الشفاعة لله وحده لا شريك له، (قل لله) وحده (الشفاعة جميعاً) كل الشفاعة له وحده سبحانه وتعالى، فمن سأل الموتى الشفاعة عند الله عز وجل فكأنه يسأل الميت شيئاً خاصاً بالله عز وجل لا يقدر عليه غيره، ومن سأل المخلوق ما لا يقدر عليه إلا الخالق، فقد وقع في الشرك، فمن سأل الشفاعة من غير الله فكأنما دعا غير الله في ما لا يقدر عليه إلا الله.
3- وهنا سؤال قد يدور في ذهن بعض الإخوة: إذا كان القبوريون الآن يطلبون الشفاعة من الموتى لغرض غفران الذنوب، ولغرض أن يدخلوا الجنة، ولغرض أن يقيهم الله من النار، فهذا لأنهم يؤمنون باليوم الآخر، لكن مشركي قريش أصلا لا يؤمنون بجنة ولا يؤمنون بنار ولا يؤمنون ببعث ولا يؤمنون بنشور، فلماذا أصلا يطلبون الشفاعة من الأوثان ماذا يريدون من الله سبحانه وتعالى؟
قال العلماء: إنما يطلبون الشفاعة منهم لقضاء حوائجهم الدنيوية، فهم يذبحون وينذرون ويعظمون الأصنام لقضاء حوائجهم الدنيوية، فهم يطلبون من هذا الوثن النصر على العدو، ويطلبون منه أن يشفع لهم عند الله في رد غائبتهم وضالتهم، وقد يطلبون الشفاعة منهم عند الله من أجل أن يشفي مريضهم، من أجل أن يوسع أرزاقهم، من اجل أن يوسع ملكهم ونحو ذلك.
4- والشفاعة شفاعتان: شفاعة منفية نفاها الله عز وجل في القرآن، وشفاعة أثبتها الله عز وجل.
قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (1/332): (فالشفاعة نوعان أحدهما: الشفاعة التى نفاها الله تعالى كالتي أثبتها المشركون ومن ضاهاهم من جهال هذه الأمة وضلالهم وهي شرك.
والثاني: أن يشفع الشفيع بإذن الله وهذه التى أثبتها الله تعالى لعباده الصالحين، ولهذا كان سيد الشفعاء إذا طلب منه الخلق الشفاعة يوم القيامة يأتي ويسجد قال: فأحمد ربى بمحامد يفتحها على لا أحسنها الآن، فيقال أي محمد ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع فإذا أذن له فى الشفاعة شفع لمن أراد الله أن يشفع فيه).
5- والناس من حيث الشفاعة على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: من ينكرها مطلقاً، فيقولون: لن تحصل شفاعة يوم القيامة مطلقاً، وهؤلاء هم الخوارج والمعتزلة أنكروا الشفاعة ولم يقروا إلا بأنواع قليلة من الشفاعة لا تخالف منهجهم.
القول الثاني: من يثبت الشفاعة يوم القيامة مطلقاً بدون شروط وقيود، وهؤلاء هم القبوريون وأيضاً النصارى وإن كنا نحن نتكلم عن الخلاف الواقع بين من ينتسب إلى هذه الأمة، ولكن النصارى يذهبون إلى هذا المذهب أي: أنه ستحصل شفاعة ولو بدون شروط.
والطائفة الثالثة: وقولها هو الحق قالوا: ستحصل شفاعة بشروط، فإقرارهم بالشفاعة خالفوا به الخوارج والمعتزلة الذين أنكروا الشفاعة.
وقولهم: بشروط ردوا بذلك على الذين أطلقوها فقالوا: ستحصل بدون شروط وهو القبوريون وغيرهم.
فما هي شروط الشفاعة ؟! شروط الشفاعة هي:
أولا: أن يأذن الله بالشفاعة والشرط الثاني: أن يرضى الله عن الشافع والشرط الثالث: أن يرضى الله عن المشفوع له.
قال الله عز وجل: (وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى) فأخبر سبحانه وتعالى بأنالشفاعة حاصلة بهذه الشروط: بالإذن وبالرضى عن الشافعوالرضى عن المشفوع، ولذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما يأتي الناس يوم القيامة يطلبون منه الشفاعة لا يذهب مباشرة ليشفع، إنما يأتي فيخر تحت العرش ويدعو الله عز وجل بمحامد وأدعية ثم يقال بعد ذلك: (ارفع رأسك وسل تعطى واشفع تشفع).
وهكذا قوله سبحانه وتعالى: (يومئذٍ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا) وقال سبحانه وتعالى: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) آية الكرسي ذكرت الإذن فقط مع أن الشروط ثلاثة لكن اقتصرت على الإذن لأنه أعظم الشروط.
وهذه الشروط لأن الشفاعة عند الله غير الشفاعة عند المخلوق، فيمكن للإنسان في الدنيا أن يشفع لشخص من أقربائه أو أصحابه بدون إذن، هذه هي الشفاعة عند المخلوق، لكن بالنسبة للخالق ما تحصل إلا بإذن الله لوجود الفرق العظيم بين الخالق والمخلوق، فإن المخلوق ضعيف، فالمدير أو الملك أو غيرهما إذا رد شفاعة هذا الصديق أو القريب، فإنه يخشى عليه أن يفتقده أو أن يضره أو أن يحقد عليه، أو أن يفقد مصالحه معه أو يحصل أشياء كثيرة جداً، لكن بالنسبة للخالق سبحانه وتعالى لا يحصل عليه ما يحصل على المخلوق من الضرر، لذلك منع سبحانه وتعالى الشفاعة عنده سبحانه وتعالى إلا بإذنه.
وهناك كلام لابن القيم رحمه الله تعالى يفرق فيه بين الشفاعة المثبتة والشفاعة المنفية، حيث قال رحمه الله في "إغاثة اللهفان": (فالشفاعة التي أبطلها الله شفاعة الشريك، فإنه لا شريك له، والتي أثبتها شفاعة العبد المأمور الذي لا يشفع ولا يتقدم بين يدي مالكه حتى يأذن له ويقول: اشفع في فلان، ولهذا كان أسعد الناس بشفاعة سيد الشفعاء يوم القيامة أهل التوحيد الذين جردوه وخلصوه من تعلقات الشرك وشوائبه، وهم الذين ارتضى الله سبحانه وتعالى) أ.هـ
6- وعند القبوريين شبهة يقولون: نحن في الحقيقة ما نتخذ هؤلاء الموتى شفعاء لنا عند الله إلا لأن هذا من باب التأدب مع الله، لأن من سوء الأدب أن يدخل الشخص مباشرة على الملك، من دون أن يكون عند الباب حجاب، والحجاب جمع حاجب وهو الشخص الذي يكون عند الباب، ويسمى حاجباً لأنه يحجب الملك عن الناس، قالوا: فمن سوء الأدب أن الشخص يدخل على الملك مباشرة دون أن يطلب من الحجاب أن يتوسطوا له عند الملك، قالوا: وهكذا من سوء الأدب أن ندخل على الله مباشرة، لابد أن نجعل بيننا وبينه واسطة.
فرد عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره فقال رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (1/126-128):
(فإن الوسائط التى بين الملوك وبين الناس يكونون على أحد وجوه ثلاثة: الأول: إما لإخبارهم من أحوال الناس بما لا يعرفونه، ومن قال إن الله لا يعلم أحوال عباده حتى يخبره بتلك بعض الملائكة أو الأنبياء أو غيرهم فهو كافر، بل هو سبحانه يعلم السر وأخفى لا تخفى عليه خافية فى الأرض ولا فى السماء وهو السميع البصير، يسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات، لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه المسائل، ولا يتبرم بإلحاح الملحين.
الوجه الثاني: أن يكون الملك عاجزاً عن تدبير رعيته ودفع أعدائه إلا بأعوان يعينونه، فلا بد له من أنصار وأعوان لذله وعجزه، والله سبحانه ليس له ظهير ولا ولي من الذل، قال تعالى: (قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة فى السموات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير) وقال تعالى: (وقل الحمد لله الذى لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك فى الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيراً).
وكل ما فى الوجود من الأسباب فهو خالقها وربها ومليكها، فهو الغني عن كل ما سواه وكل ما سواه فقير إليه، بخلاف الملوك المحتاجين إلى ظهرائهم وهم فى الحقيقة شركاؤهم فى الملك، والله تعالى ليس له شريك فى الملك، بل لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
والوجه الثالث: أن يكون الملك ليس مريداً لنفع رعيته والإحسان إليهم ورحمتهم إلا بمحرك يحركه من خارج، فإذا خاطب الملك من ينصحه ويعظمه أو من يدل عليه بحيث يكون يرجوه ويخافه تحركت إرادة الملك وهمته فى قضاء حوائج رعيته، إما لما حصل فى قلبه من كلام الناصح الواعظ المشير، وإما لما يحصل من الرغبة أو الرهبة من كلام المدل عليه، والله تعالى هو رب كل شيء ومليكه وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، وكل الأشياء إنما تكون بمشيئته فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وهو إذا أجرى نفع العباد بعضهم على بعض فجعل هذا يحسن إلى هذا ويدعو له ويشفع فيه ونحو ذلك، فهو الذى خلق ذلك كله وهو الذى خلق فى قلب هذا المحسن الداعي الشافع إرادة الإحسان والدعاء والشفاعة) أ.هـ
وهناك شيء آخر وهو أن العلماء يقولون: إن الله سبحانه وتعالى أمر بالدعاء، وجعل الدعاء مفتوحا للعبد في أي وقت وفي أي ساعة من النهار أو من الليل، ولا يطلب سبحانه وتعالى من العباد الواسطة فيما بينه وبين العباد، ولذلك يقول العلماء: إن الله سبحانه وتعالى يذكر سؤال الناس ثم يعقبه بجواب فيه: (قل)، كقوله تعالى: (يسألونك عن المحيض قل هو أذى) وقوله: (يسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً) وقوله: (يسـألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس) وقوله: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير) وقوله: (يسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير) وقوله: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) ونحو ذلك من الآيات، فما جاءت آية في القرانفيها (ويسألونك) إلا بعدها مباشرة (قل)، قالوا: إلا آية واحدةوهي آية الدعاء: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) ليس فيها (قل)، قال العلماء: لأن الله لا يريد من أحد أن يكون واسطة فيما بينه وبين عباده في باب الدعاء.
الناقض الثالث: من لم يكفر الكافر أو شك في كفره أو صحح مذهبه:
وهذا يدل على أن إخراج المسلم من الإسلام أمر خطير وعظيم، كما أن إدخال الكافر في الإسلام أمر خطير وعظيم، وهذا الناقض يدل عليه، وهذا الناقض أمر مجمع عليه كما ذكر القاضي عياض في كتابه: "الشفا بالتعريف بحقوق المصطفى" (2/281)، فلا تستقيم عقيدة المسلم إلا بالشهادة على الكفار بالكفر، وهذه المسألة متفرعة من مسألة الولاء والبراء في هذا الدين.
والكافر المطلوب تكفيره والشهادة عليه بالكفر هنا هو الكافر المجمع على كفره، لأن الكافر قسمان:
الأول: مرتكب لكفر مجمع عليه، وبقاؤه على هذا الكفر معلوم ومعروف، فهذا يتنزل عليه هذا الناقض، والثاني: مرتكب لكفر هو محل نزاع بين العلماء ككفر تارك الصلاة ونحوه، فلا يتنزل هذا الناقض على من لم يكفر به.
قال سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز كما في "مجموع فتاوى ومقالات" (7/415): (ومن لم يكفر الكافر فهو مثله إذا أقيمت عليه الحجة وأبين له الدليل فأصر على عدم التكفير، كمن لا يكفر اليهود أو النصارى أو الشيوعيين أو نحوهم ممن كفره لا يلتبس على من له أدنى بصيرة وعلم) أ.هـ
أقول: وتكفير الكافر مخالف لمسألة وحدة الأديان تماماً، لأن تكفير الكافر مبني على أصل الولاء والبراء، ووحدة الأديان مصادمة لهذا الأصل، على أننا نقول إن وحدة الأديان لها معنيان:
الأول: أن الأديان كلها تؤدي إلى مصير واحد ومقصد واحد وهو طريق الله.
والثاني: أنها بمعنى دمج الأديان والخلط بينها، حتى تصاغ منها شعائر مأخوذة من هذه الأديان كلها.
ووحدة الأديان على المعنيين يعتبر كفراً مخرجاً من الإسلام، ولكن ينبغي التفريق بين قضية وحدة الأديان، وبين قضية حوار الأديان، فهذا راجع إلى مقصد صاحبه، لأني رأيت من يخلط بينهما.
الناقض الرابع: اعتقاد أن هدي غير رسول الله أكمل من هديه،
وحكمه أكمل من حكمه صلى الله عليه وسلم:
الهدي: هو الطريقة، والحكم: هو القضاء، واعتبر العلماء هذا ناقضاً من نواقض الاسلام لأن ذلك يستلزم تنقص الشرع، ومن المعلوم من الدين بالضرورة أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه وحي من الله.
وقد أوجب سبحانه وتعالى في كتابه الكريم التحاكم إلى الله عز وجل فقال: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) وقال: (أفحكم الجاهلية يبغون) وقال: (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) وقال: (وما كان لمؤمن ولا مؤمن إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) وقال: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً).
والتحاكم إلى الطواغيت مسألة خطيرة على إيمان العبد، ويدل على ذلك أن العلماء أدخلوها في كتب التوحيد وجعلوها من نواقض الإسلام بالشروط المعروفة.
والحكم بغير ما أنزل الله كبيرة من الكبائر وعظيمة من العظائم، ولكن فيه تفصيل عند العلماء: فإن حكم بغير ما أنزل الله أو تحاكم إليه لأنه يراه أفضل من شرع الله أو على الأقل مساو له، أو أن شرع الله لا يصلح في هذا العصر، أو أنه يصلح ولكن القوانين أصلح منه وأنسب لهذا العصر.
والخلاصة أن الحكم بغير ما أنزل الله أو التحاكم إليه من كبائر الذنوب.
الناقض الخامس: من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول ولو عمل به كفر،
لقوله تعالى: (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم):
والشاهد من الآية أن من أبغض شيئاً من الشريعة فهو كافر لأن الله يحبط عمله، ولا يحبط الأعمال إلا ما كان كفراً كما قال تعالى: (ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين).
والحبوط في اللغة: هو السقوط، يقال: حبطت الناقة، أي: سقطت والتصق بطنها بالأرض، والمعنى الشرعي هو سقوط العمل الصالح وذهابه هباءً منثوراً.
واختلفوا فيما إذا كان هناك شيء تحبط به الأعمال غير الكفر، وأحسن من فصل في هذا هو العلامة ابن القيم حيث قال ما خلاصته: (الحبوط نوعان: عام وخاص، فالعام كحبوط الحسنات بالردة كلها، وحبوط السيئات كلها بالتوبة.
والخاص كحبوط السيئات والحسنات بعضها ببعض، وهذا حبوط مقيد جزئي.
قال: ولما كان الكفر والإيمان كل منهم يبطل الآخر ويذهبه كانت شعبة كل واحد منهما لها تأثير في إذهاب بعض شعب الآخر، فإن عظمة الشعبة أذهبت في مقابلتها شعباً كثيرة أ.هـ معنى كلامه رحمه الله، وانظر: كتابه: (الصلاة) وكتابه: (الوابل الصيب).
الناقض السادس: من استهزئ بشي من دين الرسول عليه الصلاة السلام أو ثوابه أو عقابه كفر، والدليل قوله تعالى: (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم).
والاستهزاء هو اتخاذ الشيء هزواً، وهو نوعان: صريح: وهو استهزاء بالقول كمن نزلت فيهم هذه الآية، وغير صريح: وهو استهزاء بالفعل كالرمز بالعين وإخراج اللسان ومد الشفه وغيرها.
قال بعض العلماء: وهذا النوع بحر لا ساحل له، وهذا صحيح إذ كل يوم يظهر لنا من طرق الاستهزاء بالدين وشعائره وأهله ما لا نعرفه، كالاستهزاء بطريقة النكت المصورة والتي تسمى بـ"الكاريكاتير" وغيرها.
والاستهزاء كفر بالله مخرج من الاسلام بدون خلاف كما ذكر غير واحد منهم ابن العربي المالكي في "تفسيره" عند الآية، لأنه ينافي ما ينبغي على العباد من التعظيم والإجلال لشرع الله.
وذكر ابن قدامة وغيره أن المستهزئ والهازل إذا ارتدا عن الدين ثم رجعا إلى الدين بعد الاستتابة، فلابد من تعزير ولي الأمر لهما بما يراه صالحاً لتأديبهما. (ينظر حاشية الروض المربع: باب المرتد).
وننبه إلى أن المستهزئ لا ينبغي القعود معه في مجلس واحد لقوله تعالى: (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم).
الناقض السابع: السحر ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضي به فقد كفر، والدليل قوله تعالى:
(وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر):
1- السحر لغة: هو ما خفي ولطف ودق مأخذه، وشرعاً: هو عزائم ورقى وعقد تؤثر في الأبدان والقلوب، فيمرض ويقتل ويفرق بين المرء وزوجه، ويأخذ أحد الزوجين عن صاحبه.
2- وتحريم الشريعة للسحر ومحاربتها لأهله والمشتغلين به، وسد الأبواب عليه حتى تمنع انتشاره وتعلمه، هو من حكمة الشريعة ومحافظتها للنفوس والعقول والأعراض، فإن الشريعة تحافظ على الضروريات الخمس وهي: الدين والعقل والعرض والمال والنفس، والشيء الغريب الذي يظهر لنا حقيقة السحر أنه يجني على هذه الأشياء كلها.
3- والسبب في دخول السحر في أبواب التوحيد هو ما قاله الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي في "القول السديد" (ص106): (السحر يدخل في الشرك من جهتين: من جهة ما فيه من استخدام الشياطين ومن التعلق بهم وربما تقرب إليهم بما يحبون ليقوموا بخدمته ومطلوبه، ومن جهة ما فيه من دعوى علم الغيب ودعوى مشاركة الله في علمه وسلوك الطرق المفضية إلى ذلك، وذلك من شعب الشرك والكفر).
4- طريقة تعلم السحر:
يطلب الجن من الساحر - إذا وجدوا منه الرغبة في تعلم السحر - أن يشرك بالله عز وجل كأن يسجد لهم أو للأصنام أو يذبح لهم أو يطوف حول شيء أو يدوس لمصحف بقدمه أو يكتب آيات قرآنية بدم الحيض أو يكتبها على أسفل قدمه ثم يدخل بها الحمام أو غير ذلك من أنواع الكفر، ثم تقوم الجن بخدمته إذا تيقنوا كفره.
5- والسحر دخل في أبواب كثيرة لا يتنبه لها الناس، منها دخوله في باب تحضير الأرواح، وأبواب عروضات السرك وغيرها، حتى أدخله كبار الصوفية في تعاملهم مع غيرهم من الأتباع تخويفاً لهم من ذكر بعض أسرارهم كما اعترف بعضهم بذلك، وخدمة لهم في صناعة الخوارق ونحوها.
6- وقد اختلف العلماء: هل للسحر حقيقة ؟! على قولين لأهل العلم، فذهب أهل السنة إلى أن له حقيقة.
نقل النووي رحمه الله في "شرح مسلم" عن المازري أنه قال: (مذهب أهل السنة وجمهور علماء الأمة على إثبات السحر وأن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء الثابتة، خلافا لمن أنكر ذلك في حقيقته).
وقال حافظ الحكمي في "معارج القبول": (وله تأثير فمنه ما يمرض ومنه ما يقتل ومنه ما يأخذ بالعقول ومنه ما يأخذ بالأبصار ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه، لكن تأثيره ذلك إنما هو بما قدره القدير سبحانه وتعالى).
وخالفهم المعتزلة فقالوا: ليس للسحر حقيقة، واستدلوا بأن الله يقول: (سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم) وقوله: (يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى).
وأجاب أهل السنة بأن الله ذكر في السحر عالماً ومتعلماً، وشراً يستعاذ منه بالله ولو لم يكن للسحر حقيقة لما أمر الله بالاستعاذة منه.
ويمكننا أن نقول: إن السحر له حقيقة من حيث التأثير على البدن، والتفريق بين الرجل وزوجه، وتصيير الشخص يكره الشيء بعد محبته له، ويحبه بعد بغضه له، وليس له حقيقة من حيث تقليب الأشياء، فالساحر لا يصير الذهب تراباً، ولا التراب ذهباً، ولا الإنسان حيواناً، ولا العكس.
وهذا التفصيل هو أجود ما قيل، وهو قول جماعة منهم الشيخ العثيمين رحمه الله وغيره.
7- حكم من تعلم السحر:
من علم السحر أو تعلمه فهو كافر لقوله تعالى: (وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت) وقوله تعالى: (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) وغير ذلك من الأدلة.
ويستثنى هاروت وماروت من هذا الحكم فلا يكونان كافرين وإن علما السحر لأن خلقهما فتنة لعباده.
وأما القصة التي جاءت في ذكر هذين الملكين من أن الله أنزلهما ثم ارتكبا الفاحشة في امرأة ثم مسخهم كوكبين ثم عاقبهما بأن حبسهما في بابل فهذه قصة باطلة.
وقد اختلفوا في حقيقة الملكين على أقوال والصحيح أن هاروت وماروت هما ملكان كريمان أنزلهما الله فتنة لعباده، ولله تعالى أن يختبر عباده ويمتحنهم بما شاء، ولا منازع له في قضائه وشرعه، وهو اختيار شيخ المفسرين ابن جرير، ومن المعاصرين "اللجنة الدائمة" (1/25-26).
ونرى أنه من المناسب أن ننبه على أمرين يتعلقان بموضوعنا:
الأول: أن ابن حزم له قول كما في "المحلى" (2304) ذهب فيه إلى أن الساحر ليس كافراً، ونفى أن يقتل ردة، مخالفاً بهذا من قبله ومن بعده، وقد تكلف تكلفاً واضحاً في نفي دلالة الأدلة على كفر الساحر.
الثاني: كلام للقرضاوي في رسالته: "حقيقة التوحيد" إذ يقول في هذا الكتاب إن السحر من الشرك الأصغر، وهذا خطأ كبير ولاسيما والرجل ليس من أهل هذا الشأن ثم إنه غير مأمون فلا يؤخذ عنه، ولاسيما مثل دقائق الأمور هذه.
وأدلة كفر الساحر كثيرة، نذكر منها:
1- قوله تعالى: (واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر، وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر، فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه، وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله، ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم، ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون0ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون)، ووجه الدلالة من الآية هي قوله: (وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا)، وأيضاً قوله: (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر)، وأيضاً قوله: (ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق) أي: نصيب، والذي ليس له في الآخرة نصيب هو الكافر، وأيضاً قوله تعالى: (ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون).
قال حافظ حكمي رحمه الله في "معارج القبول": (وهذا من أصرح الأدلة على كفر الساحر ونفي الإيمان عنه بالكلية، فإنه لا يقال للمؤمن المتقي ولو أنه آمن واتقى، إنما قال تعالى ذلك لمن كفر وفجر وعمل بالسحر واتبعه) أ.هـ
وقوله: (ولا يفلح الساحر حيث أتى) وقوله: (ولا يفلح الساحرون) والذي ينفى عنه الفلاح مطلقاً هو الكافر كما قال الله: (إنه لا يفلح الكافرون).
8- هل يكفر الساحر بدون تفصيل: جمهور العلماء على أن السحر كفر بذاته، وذهب الشافعي إلى أن السحر يستفصل فيه، فإن رأينا أنه من جهة الاستعانة بالجن والشياطين فهذا كفر، وإن رأينا أنه من جهة العقاقير والأعشاب والأدوية فهذا ليس بكفر، وهذا التفصيل هو أجود ما قيل والله أعلم.
9- توبة الساحر: إذا تاب من قبل أن يقدر عليه قبلناه وإلا فلا، وقد قال مالك: (إذا ظُهر عليه لم تقبل توبته لأنه كالزنديق، فإن تاب قبل أن يظهر عليه وجاءنا تائبا قبلناه).
الناقض الثامن: مناصرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى:
(ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين):
هناك فرق بين التولي والموالاة، وكثير من الناس يخلط بينهما.
فالتولي: هو الذب عن الكفار وإعانتهم بالمال والبدن والرأي، وهو كفر مخرج من الدين، وقد قال ابن عباس في تفسير الآية السابقة: (أي: موالاتهم في الدين، فإنه منهم في حكم الكفر).
وهذا القول والحكم فيما لو كان عن قناعة بمذهبهم فرضي بدينهم.
قال ابن جرير في "تفسيره" عند الآية: (يعني تعالى ذكره بقوله: "ومن يتولهم منكم فإنه منهم" ومن يتولَّ اليهود والنصارى دون المؤمنين، فإنه منهم، يقول: فإن من تولاهم ونصرَهم على المؤمنين، فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متولٍ أحدًا إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راضٍ، وإذا رضيه ورضي دينَه، فقد عادى ما خالفه وسَخِطه، وصار حكُمه حُكمَه) أ.هـ
وزاد الطاهر بن عاشور الموضوع وضوحاً فقال في "تفسيره": (وقوله: "ومن يتولهم منكم فإنه منهم" (مَن) شرطية تقتضي أن كل من يتولاهم يصير واحداً منهم. جعل ولايتهم موجبة كونَ المتولي منهم، وهذا بظاهره يقتضي أنّ ولايتهم دخولٌ في ملّتهم، لأنّ معنى البعضية هنا لا يستقيم إلاّ بالكون في دينهم. ولمّا كان المؤمن إذا اعتقد عقيدة الإيمان واتّبع الرسول ولم ينافق كان مسلماً لا محالة كانت الآية بحاجة إلى التأويل، وقد تأوّلها المفسّرون بأحد تأويلين:
1- إمّا بحمل الولاية في قوله: (ومن يتولهم) على الولاية الكاملة التي هي الرّضى بدينهم والطعنُ في دين الإسلام، ولذلك قال ابن عطية: ومن تولاّهم بمعتقده ودينه فهو منهم في الكفر والخلود في النّار.
2- وأمّا بتأويل قوله: (فإنّه منهم) على التشبيه البليغ، أي فهو كواحد منهم في استحقاق العذاب. قال ابن عطية: من تولاهم بأفعاله من العَضد ونحوه دون معتقدهم ولا إخلال بالإيمان فهو منهم في المقت والمذمّة الواقعة عليهم أ.هـ
وهذا الإجمال في قوله: (فإنّه منهم) مبالغة في التحذير من موالاتهم في وقت نزول الآية، فالله لم يرض من المسلمين يومئذ بأن يتولوا اليهود والنصارى، لأن ذلك يلبسهم بالمنافقين، وقد كان أمر المسلمين يومئذ ي حيرة إذ كان حولهم المنافقون وضعفاء المسلمين واليهود والمشركون فكان من المتعين لحفظ الجامعة التجرد عن كل ما تتطرق منه الريبة إليهم.
وقد اتفق علماء السنة على أن ما دون الرضا بالكفر وممالاتهم عليه من الولاية، لا يوجب الخروج من الربقة الإسلامية ولكنه ضلال عظيم، وهو مراتب في القوة بحسب قوة الموالاة وباختلاف أحوال المسلمين) أ.هـ
قلت: وقصة حاطب بن أبي بلتعة تدل على هذا، فقد روى الشيخان عن علي رضى الله عنه قصة طويلة مشهورة، وفيها: (فانطلقنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر يا رسول الله، قد خان الله ورسوله والمؤمنين، فدعني فلأضرب عنقه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما حملك على ما صنعت) قال حاطب: والله ما بي أن لا أكون مؤمناً بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم أردت أن يكون لى عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي، وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صدق، ولا تقولوا له إلا خيراً) فقال عمر إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين، فدعني فلأضرب عنقه. فقال: (أليس من أهل بدر) فقال: (لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة، أو فقد غفرت لكم" فدمعت عينا عمر وقال الله ورسوله أعلم).
وقوله صلى الله عليه وسلم: (ما حملك على ما صنعت) يدل على أن في المسألة تفصيلاً راجعاً إلى نية المسلم ومقصده، ولذلك استفصله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان قد صدر نوع موالاة كما نص على ذلك القرآن، حيث قال الله في أول "سورة الممتحنة": (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) وقال في آخرها: (يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم ..) الآية، وإن كان حاطب قد غفر الله لمزايا كثيرة وحسنات عظيمة، منها جهاده في غزوة بدر كما جاء في الحديث.
ويستثنى من هذا كله ما لو كانت الموالاة بسبب الخوف والتقية فصاحبه معذور لقوله تعالى: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة).
فالآية ترخص عند الخوف في موالاة الكفار في الظاهر إذا خافهم خوفاً يعذر به، وهي كالمداراة التي يقي نفسه بها منهم، وشرط ذلك سلامة الباطن.
محبة الكافر والدعاء له:
ومحبة الكافر فيها تفصيل فلا تعد حراماً على الإطلاق، فإن كان يحبه محبة رحمة لصلته به ولقرابته منه فهذا لا بأس فيه خلافاً لمن منع من ذلك، وقد أحب النبي صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب ولذلك قال الله تعالى: (إنك لا تهدي من أحببت).
وقد ذهب من منع من محبة الكافر مطلقاً إلى تأويل هذه الآية فقالوا: معنى الآية إنك لا تهدي من أحببت هدايته، وهذا غير صحيح لأن الأصل عدم التقدير، والصحيح هو أن الآية تعني محبة النبي صلى الله لقرابته ولكن محبة طبيعية، وقد تكون محبة شهوة كمحبة الرجل لزوجته أو أمته الكتابية.
فإذا لم تكن لنحو ذلك فالأصل أنه حرام، إذ الواجب بغضه وكرايته لأنه مشاقق لله ورسوله، وهذا من أعظم أبواب الإيمان لأنه من الولاء والبراء.
ومن ذلك الدعاء للكافر فإنه إن كان من باب الدعاء له بالهداية والدخول في الإيمان، أو الدعاء له بالعافية والشفاء فليس في ذلك بأس، وإن كان من الدعاء له بالمغفرة والعفو فذلك حرام بالإجماع ولاسيما بعد موتهم.
قال النووي في "المجموع": (وأما الصلاة على الكافر والدعاء له بالمغفرة فحرام بنص القرآن والإجماع).
الناقض التاسع: من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين):
والشاهد من الآية أن من خرج عن شريعة الإسلام فهو كافر، ومن قال: إن بعض الناس يجوز لهم الخروج عن شريعة الإسلام فهو مكذب بالنصوص، ومنها النص السابق.
وغلاة الصوفية يعتقدون أن الإنسان يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، كما خرج الخضر عن شريعة موسى عليهما السلام.
والجواب: من وجهين ذكرهما شيخ الإسلام في أكثر من موضع من كتبه.
قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (13/266): (وقد يحتج بعضهم بقصة موسى والخضر ويظنون أن الخضر خرج عن الشريعة فيجوز لغيره من الأولياء ما يجوز له من الخروج عن الشريعة، وهم فى هذا ضالون من وجهين أحدهما: أن الخضر لم يخرج عن الشريعة، بل الذي فعله كان جائزاً فى شريعة موسى، ولهذا لما بين له الأسباب أقره على ذلك، ولو لم يكن جائزاً لما أقره ولكن لم يكن موسى يعلم الأسباب التي بها أبيحت تلك فظن أن الخضر كالملك الظالم فذكر ذلك له الخضر.
والثاني: أن الخضر لم يكن من أمة موسى ولا كان يجب عليه متابعته) أ.هـ
ولعلهم يستدلون كذلك بقوله تعالى: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) وهو استدلال مردود على صاحبه لعدة أمور:
1- أن الشريعة تراعي الاستمرارية والمداومة في العبادة فقد قال تعالى: (والذين هم على صلاتهم يحافظون) وقوله: (والذين هم على صلاتهم دائمون) وقوله: (وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل) وهذا القول الذي ذكروه يناقض ما ذكرناه.
2- أن قولهم هذا يلزم منه القول بأن الرسول لم يصل إلى هذه المرتبة العالية - التي زعموها – ولا صحابته، فهم أفضل من رسول الله ومن صحابته.
3- أن اليقين هنا بمعنى الموت، وقد قال تعالى: (قالوا: لم نك من المصلين0ولم نك نطعم المسكين0 وكنا نخوض مع الخائضين0 وكنا نكذب بيوم الدين0حتى أتانا اليقين) أي: الموت.
4- إذا كان اليقين هنا بمعنى مرتبة أو منزلة فما هو ضابط هذه المنزلة ؟ وكيف يعرف الإنسان أنه وصلها وأنه سقطت في حقه التكاليف ؟! إذ قد يدعي ذلك أي إنسان.
الناقض العاشر: الإعراض عن دين الله تعالى لا يتعلمه ولا يعمل به:
والمراد بهذا الناقض هو الإعراض عن تعلم أصل الدين الذي يكون به المرء مسلماً من التوحيد والشهادتين.
قال ابن القيم في "مدارج السالكين" (1/366-367): (وأما كفر الإعراض: فأن يعرض بسمعه وقلبه عن الرسول لا يصدقه ولا يكذبه ولا يواليه ولا يعاديه ولا يصغي إلى ما جاء به البتة).
وقال في "مفتاح دار السعادة" (1/94): (كفر إعراض محض لا ينظر فيما جاء به الرسول ولا يحبه ولا يبغضه ولا يواليه ولا يعاديه بل هو معرض عن متابعته ومعاداته).
المبحث السادس: هل هناك فرق بين المكره وغيره ؟
هذه النواقض لا فرق فيها بين الهازل والجاد، والخائف إلا من وصل إلى درجة المكره، فليس كل خائف مكره قال تعالى: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) ولا فرق بالإكراه بالقول أو الفعل، لأن الآية عامة ومن فصل بينهما لم يأت بحجة قوية تصلح للتمسك بها، وهذا هو الصحيح في المسألة وهو قول الجمهور واختيار شيخ الإسلام.
قال رحمه الله في "الفتاوى الكبرى" (1/56): (وأما إذا أكره الرجل على ذلك بحيث لو لم يفعله لأفضى إلى ضربه أو حبسه أو أخذ ماله أو قطع رزقه الذي يستحقه من بيت المال ونحو ذلك من الضرر فإنه يجوز عند أكثر العلماء، فإن الإكراه عند أكثرهم يبيح الفعل المحرم كشرب الخمر ونحوه وهو المشهور عن أحمد وغيره، ولكن عليه مع ذلك أن يكرهه بقلبه ويحرص على الامتناع منه بحسب الإمكان، ومن علم الله منه الصدق أعانه الله تعالى وقد يعافى ببركة صدقه من الأمر بذلك.
وذهب طائفة إلى أنه لا يبيح إلا الأقوال دون الأفعال ويروى ذلك عن ابن عباس ونحوه قالوا: إنما التقية باللسان وهو الرواية الأخرى عن أحمد).
ضابط المكره عند الحنابلة:
قال شيخ الإسلام كما في "الفتاوى الكبرى"(5/489): (تأملت المذهب فوجدت الإكراه يختلف باختلاف المكره عليه، فليس الإكراه المعتبر في كلمة الكفر كالإكراه المعتبر في الهبة ونحوها، فإن أحمد قد نص في غير موضع على أن الإكراه على الكفر لا يكون إلا بتعذيب من ضرب أو قيد ولا يكون الكلام إكراهاً) أ.هـ
شروط الإكراه:
يذكر الفقهاء شروطاً للإكراه ينبغي اعتبارها احترازاً من التوسع في دعوى الإكراه، وهذه الشروط هي كما ذكرها الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" وغيره:
1- أن يكون من يهدد قادراً على فعل ما يهدد به، وأن يكون المأمور عاجزاً عن الدفع أو الفرار.
2- أن يكون ما يهدد به فورياً فإن قال إن لم تفعل كذا فسأقتلك بعد شهر أو نحوه فلا يعد مكرهاً.
3- أن يغلب على ظن المأمور أنه إن امتنع وقع به ما يهددونه.
4- أن يفعل الشيء المحرم بقدر الإكراه، وهو ما يسميه الفقهاء: بقاعدة: (الضرورة تقدر بقدرها) فلو أجبره على أن يسجد لصنم سجدة، فلا يحل له أن يسجد له سجدتين، أو أن يأكل نصف رغيف في نهار رمضان فلا يحل له أن يأكله كله.
أحوال المكره:
يختلف حال المكره من شخص إلى آخر:
1- فتارة يكون الصبر في حقه أفضل وهذا هو الأصل، فقد روى البخاري في "صحيحه" عن خباب بن الأرت قال: (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له فى ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا قال: "كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد، ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون).
والشاهد منه أن النبي ذكر ذلك في سياق الثناء على من صبر على العذاب والأذى في سبيل الله.
2- وأحياناً يكون الصبر واجباً في حق المكره إذا كان عالماً يخشى من أن يقتدي به الناس في هذا الكفر، ولذلك صبر أحمد بن حنبل في محنته المشهورة محنة القول بخلق القرآن.
3- وأحياناً قد يكون النطق بكلمة الكفر مع الطمأنينة بالإيمان أفضل إذا كان عالماً يحتاجه الناس ولا يخشى من تأثرهم بما يقوله.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
انتهت الحلقة الثالثة من (دروس في التوحيد)،
وسيتبعها بإذن الله الحلقة الرابعة في (شرح معنى شهادة أن محمداً رسول الله).
كتبه: أبو عمار علي الحذيفي.
عدن / اليمن
رجب / 1430 هـ
0 commentaires :
إرسال تعليق